المنتجات الغذائية المعدلة وراثيا
أحد القضايا الهامة المثارة هذه الأيام هى قضية الأغذية المعدلة وراثياً أو كما يطلقون عليها في أوروبا "أغذية الرعب"، فلقد انتشر إنتاج الأغذية المعدلة وراثياً بواسطة الدول الرئيسية المنتجة للمحاصيل الزراعية وأصبح كثير من المنتجات الغذائية في الأسواق تحتوي على مكونات معدلة وراثياً، نظراً لصعوبة وتكلفة الفصل بين المواد المعدلة والتقليدية في التجارة العالمية، وأصبحت مسألة الأمان الحيوي للأغذية المعدلة وراثياً أمراً في غاية الحساسية، بل وتحولت إلى قضية هامة ينشغل بها العالم كثيراً. ومن منطلق نشر الوعي بطبيعة الجوانب المختلفة المتعلقة بالأغذية المعدلة وراثياً أصدر الدكتور أحمد عبد الرحمن العبيدي أستاذ التقنية الحيوية والأصول الوراثية بجامعة القاهرة كتاب بعنوان "الأغذية المعدلة وراثياً". حيث أن تزايد استيراد الدول العربية للسلع الغذائية من الخارج والتي تحتوي على مكونات معدلة وراثياً أمر من الصعب تجنبه نظراً لمعاناة الدول العربية من فجوة غذائية ضخمة، وتبلغ قيمة الفجوة من مجموعات السلع الغذائية الرئيسية أقصاها في كل من السعودية، الجزائر، مصر، الإمارات، والكويت، تعتمد هذه الدول بدرجة كبيرة على المنتجات الغذائية المستوردة من الخارج والتي يتوقع أن يكون جزءً كبيراً منها محتوي على مكونات معدلة وراثياً، ومع ذلك بقيت قضية الأغذية المعدلة وراثياُ غير واضحة المعالم في المنطقة العربية والذي يرجع بالدرجة الأولى لغياب الوعي بالكثير مما يتعلق بهذه الأغذية. وانعكس ذلك على الطريقة التي تعاملت بها الدول العربية مع قضية الأغذية المعدلة وراثياً، فتباينت المواقف من قرارات الحظر إلى التجاهل، بينما كانت الحيرة والتوصية بالدراسة المستفيضة هي سيدة الموقف، ومع ذلك لم تعالج قضية الأمان الحيوي للأغذية المعدلة وراثياً في المنطقة بصورة جادة، أساساً لنقص الوعي بالحقائق التي تتعلق بهذه القضية، ولم يقتصر عدم الوعي على المستهلكين بل شمل الإعلاميين، الرقابيين وواضعي السياسات، إن محصلة عدم الوعي بحقيقة الأغذية المعدلة هو حدوث بلبلة بين المستهلكين وتخبط في القرارات المتعلقة بهذا الشأن. هذا وقد ركز كتاب د. أحمد عبد الرحمن على جانبين هامين لقضية الأغذية المعدلة وراثياً، الجانب الأول هو التقنية المتعلقة بإنتاج هذه الأغذية والثاني هو الأمان الحيوي لهذه الأغذية.يعزو مؤلف الكتاب عدم الوعي بطبيعة الأغذية المعدلة وراثياً وأسلوب التعامل معها مثلها مثل كثير من القضايا الأخرى الهامة إلى عوامل متعددة والتي أهمها نقص المعلومات المتاحة المتعلقة بهذه الأغذية، فتنشغل الأجهزة الإعلامية في المنطقة العربية لحد كبير بالأحداث السياسية. فالمنطقة العربية بلا شك هي طرف دائم في أحداث سياسية يومية ساخنة لاسيما ما يتعلق بفلسطين والعراق. بلا شك فإن عدم وجود قنوات الاتصال بالمتخصصين والتي من خلالها يمكن طرح القضية وتوصيل الحقائق للعامة والمسئولين يعتبر عامل هام ساهم إلى حد كبير في وجود فجوة في المعلومات المتاحة بشأن الأغذية المعدلة، ندرة الأكاديميين الملمين بحقائق الأمان الحيوي للأغذية المعدلة وراثياً في المنطقة العربية يعتبر عامل آخر أدى على عدم توفر معلومات معتمدة على حقائق علمية في هذا الخصوص. كما أن ما يصل من أخبار بين الحين والآخر عن الأغذية المعدلة في المنطقة العربية غالباً ما يكون أخبار عن نشاطات جمعيات حماية المستهلك والمنظمات الأخرى غير الحكومية في أوروبا وآراءها المعادية للأغذية المعدلة أو الحملات الدعائية الممولة المضادة لهذه الجمعيات التي تطلقها شركات التقنية الحيوية أو الحرب الدائرة بين دول أوروبا والولايات المتحدة بشأن هذه الأغذية غالباً ما تساهم في خلق حالة من البلبلة في المنطقة العربية فيما يتعلق بهذه القضية. وبصفة عامة فإن المعلومات غير الدقيقة التي تصل للجمهور بخصوص الأغذية المعدلة ستجعله غير راضي عن أي قرار يتخذ في المستقبل بهذا الشأن، حتى لو أن هذا القرار جاد ويهدف إلى حماية المستهلك، وبلا شك فإن استمرار عدم الوعي بقضية الأغذية المعدلة سيبقيها غير محددة المعالم والأبعاد مما سيكون له من الآثار الخطيرة، لاسيما أن القضية تتعلق بأمن وأمان الغذاء. |